recent
مواضيع ساخنة

سيكولوجية التحيّز الجمعي: لماذا نُدافع عن مجموعاتنا حتى لو كانت مخطئة؟

حين يُغشي الانتماء أعيننا عن الحقيقة

التحيز الجمعي، علم النفس الاجتماعي، الهوية الجماعية، الانتماء، التفكير النقدي، التعصب، نظرية الهوية الاجتماعية.


الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يحب الانتماء ويشعر بالأمان ضمن مجموعة تشاركه القيم أو الأصل أو الرأي. لكن هذا الانتماء قد يتحول أحيانًا إلى تحيّز غير واعٍ، يجعلنا ندافع عن مجموعاتنا مهما كانت أخطاؤها، ونرفض الاعتراف بعيوبها. هذه الظاهرة تُعرف في علم النفس الاجتماعي باسم "التحيّز الجمعي".

ما هو التحيّز الجمعي؟

التحيّز الجمعي هو ميل الفرد لتبرير سلوك وتصرفات المجموعة التي ينتمي إليها، حتى لو كانت غير أخلاقية أو غير منطقية، في مقابل تحميل المسؤولية للمجموعات الأخرى. هذا التحيّز يظهر في العائلة، القبيلة، الحزب السياسي، الجماعات الدينية، وحتى في الأندية الرياضية.

كيف ينشأ هذا التحيّز؟

يرى علماء النفس أن هذا النوع من التحيّز يعود إلى عدة عوامل:

  • الحاجة للانتماء: الإنسان يحب الشعور بأنه جزء من "نحن".
  • الخوف من العزلة: معارضة الجماعة قد تؤدي إلى نبذك.
  • تعزيز الهوية: الدفاع عن المجموعة يعزز إحساس الفرد بقيمته.
  • التنشئة: كثيرون يربّون أبناءهم على الولاء التام للمجموعة مهما حصل.

أمثلة واقعية على التحيّز الجمعي:

  • شخص يبرر فساد مسؤول لأنه من نفس طائفته أو حزبه.
  • مشجع يرفض الاعتراف بخطأ فريقه ويهاجم التحكيم.
  • فرد يدافع عن تصرفات عائلية خاطئة بدعوى "الدم لا يصير ماء".

مخاطر التحيّز الجمعي على المجتمع:

رغم أنه شعور إنساني طبيعي، فإن التحيّز الجمعي إذا لم يُضبط، قد يؤدي إلى:

  • التعصب والتمييز ضد الآخرين.
  • فقدان الموضوعية في اتخاذ القرارات.
  • تفكك المجتمعات عندما تتصارع المجموعات المختلفة.
  • تضليل الحقائق وتشويه الواقع لخدمة مصالح ضيقة.

هل يمكن أن نتحرر من هذا التحيّز؟

نعم، ويمكن تلخيص أهم الخطوات في:

  1. الوعي: أول خطوة هي أن ندرك أننا معرضون لهذا التحيّز.
  2. فحص الأفكار: هل أنا أُدافع عن هذا الموقف لأنه صحيح، أم فقط لأنه من مجموعتي؟
  3. الاستماع للطرف الآخر: فتح المجال لسماع وجهات نظر مختلفة يقلل التصلب الذهني.
  4. وضع المبادئ فوق الولاءات: كأن أقول "أنا مع الحق، وليس مع ابن عمي إن كان ظالمًا".

ما يقوله علم النفس الاجتماعي

يؤكد علماء النفس أن التحيّز الجمعي يمكن تفسيره من خلال ما يُعرف بنظرية الهوية الاجتماعية (Social Identity Theory)، التي تقول إن الفرد يربط هويته الشخصية بالجماعات التي ينتمي إليها. وبالتالي، فإن أي تهديد لتلك الجماعة يُعد تهديدًا له نفسه، فيدافع عنها بشدة حتى لو كانت على خطأ.

العقل النقدي هو الحل

التحرر من التحيز لا يعني أن نتخلى عن مجموعاتنا أو نقف ضدها دائمًا، بل أن نكون نقديين في تحليل مواقفنا، وأن تكون القيم والمبادئ فوق كل انتماء. المجتمعات المتقدمة لا تُبنى على الولاء الأعمى، بل على المسؤولية والعدالة والمحاسبة.

خاتمة

التحيّز الجمعي جزء من الطبيعة البشرية، لكنه يصبح خطرًا حين يمنعنا من رؤية الحقيقة. فلنسأل أنفسنا دائمًا: هل ندافع عن الموقف لأنه صائب، أم فقط لأنه من جماعتنا؟ بالإجابة الصادقة، نُصبح أكثر وعيًا، وأكثر إنصافًا، وأقرب إلى بناء مجتمع متماسك وعادل.

author-img
الكوتش نعمان زريوح

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent